يَا أيُّها الشَّادِي المغرِّدُ ههُنا |
ثَمِلاً بِغِبْطة ِ قَلْبِهِ المَسْرُورِ |
مُتَنَقِّلاً بينَ الخَمائلِ، تَالِياً |
وحْيَ الربيعِ السّاحرِ المسحورِ |
غرّدْ، ففي تلك السهول زنابقٌ |
تَرْنُو إليكَ بِنَاظرٍ مَنْظُورِ |
غرِّدْ، ففي قلبي إليْك مودَّة ٌ |
لكن مودَّة طائر مأسورِ |
هَجَرَتْهُ أَسْرابُ الحمائمِ، وانْبَرَتْ |
لِعَذَابِهِ جنِّية ُ الدَّيْجُورِ… |
غرِّد، ولا ترهَبْ يميني، إنّني |
مِثْلُ الطُّيورِ بمُهْجَتي وضَمِيري |
لكنْ لقد هاضَ الترابُ ملامعي |
فَلَبِثْتُ مِثْلَ البُلبلِ المَكْسُورِ |
أشدُو برنّاتِ النِّياحَة ِ والأسى |
مشبوبة بعواطفي وشعوري |
غرِّدْ، ولا تحفَلْ بقلبي، إنّهُ |
كالمعزَفِ، المتحطِّمِ، المهجورِ |
رتِّل عَلى سَمْع الرَّبيعِ نشيدَهُ |
واصدحْ بفيضِ فؤادك المسجورِ |
وکنْشِدْ أناشيدَ الجَمال، فإنَّها |
روحُ الوجود، وسلوة المقهورِ |
أنا طَائرٌ، مُتَغرِّدٌ، مُتَرنِّمٌ |
لكِنْ بصوتِ كآبتي وَزَفيري |
يهتاجُني صوتُ الطّيور، لأنَّه |
مُتَدَفِّقٌ بحرارة وطَهورِ |
ما في وجود النَّاس مِنْ شيءٍ به |
يَرضَى فؤادي أو يُسَرُّ ضميري |
فإذا استمعتُ حديثَهم أَلْفَيْتُهُ |
غَثّاً، يَفِيض بِركَّة ٍ وَفُتُورِ |
وإذا حَضَرْتُ جُمُوعَهُمْ ألْفَيتَنِي |
ما بينهم كالبلبل المأسورِ |
متوحِّداً بعواطفي، ومشاعري، |
وَخَوَاطِري، وَكَآبتي، وَسُروري |
يَنْتَابُنِي حَرَجُ الحياة كأنّني |
مِنْهمْ بِوَهْدَة جَنْدلٍ وَصُخورِ |
فإذا سَكَتُّ تضجَّروا، وإذا نَطَقْتُ |
تذمَّروا مِنْ فكْرَتي وَشُعوري |
آهٍ مِنَ النَّاسِ الذين بَلَوْتُهُمْ |
فَقَلَوْتُهُمْ في وحشتي وَحُبُوري! |
ما منهم إلا خبيثٌ غادرٌ |
متربِّصٌ بالنّاس شَرَّ مصيرِ |
وَيَودُّ لو مَلَكَ الوُجودَ بأسره |
ورمى الوَرى في جاحِمٍ مسجورِ |
لِيُبلَّ غُلَّتَهُ التي لا ترتوي |
ويكظّ نهمة قلبه المغفورِ |
وإذا دخلتُ إلى البلاد فإنَّ أفكا |
ـكاري تُرَفْرِفُ في سُفوح الطُّورِ |
حيثُ الطبيعة ُ حلوة ٌ فتَّانَة ٌ |
تختال بين تَبَرُّجِ وَسُفُورِ |
ماذا أودُّ من المدينة ، وهي غارقة ٌ |
بموَّار الدَّم المهْدورِ |
ماذا أودُّ من المدينة ، وهي لا |
ترثي للصوتِ تَفجُّع المَوْتُورِ؟ |
ماذا أودُّ من المدينة ، وهي لا |
تَعْنو لِغَير الظَّالمِ الشَّرِّيرِ؟ |
ماذا أودُّ من المدينة ، وهي مُرْتادٌ |
لكل دعارة وفجورِ؟ |
يا أيُّها الشَّادي المغرِّدُ ههنا |
ثَمِلاً بغبطة قَلْبهِ المسرورِ! |
قبِّلْ أزاهيرَ الربيعِ، وغنِّها |
رنَمَ الصّباحِ الضَاحكِ المحبورِ |
واشربْ مِنَ النَّبع، الجميل، الملتوي |
ما بين دَوْحِ صنوبر وغدير |
وکتْرُكْ دموعَ الفَجْرِ في أوراقِها |
حتَّى تُرشِّفَهَا عَرُوسُ النُّورِ |
فَلَرُبَّما كانتْ أنيناً صاعداً |
في اللَّيل مِنْ متوجِّعٍ، مَقْهورِ |
ذرفته أجْفان الصباح مدامعاً |
ألاّقة ، في دوحة وزهورِ… |