| فَدَيْناكَ مِنْ رَبْعٍ وَإنْ زِدْتَنَا كرْبا | فإنّكَ كنتَ الشرْقَ للشمسِ وَالغَرْبَا | 
| وَكَيفَ عَرَفْنا رَسْمَ مَنْ لم يدَعْ لَنا | فُؤاداً لِعِرْفانِ الرّسومِ وَلا لُبّا | 
| نَزَلْنَا عَنِ الأكوارِ نَمشِي كَرامَةً | لمَنْ بَانَ عَنهُ أنْ نُلِمّ بهِ رَكْبَا | 
| نَذُمُّ السّحابَ الغُرَّ في فِعْلِهَا بِهِ | وَنُعرِضُ عَنها كُلّما طَلَعتْ عَتْبَا | 
| وَمن صَحِبَ الدّنيا طَوِيلاً تَقَلّبَتْ | على عَيْنِهِ حتى يَرَى صِدْقَها كِذبَا | 
| وَكيفَ التذاذي بالأصائِلِ وَالضّحَى | إذا لم يَعُدْ ذاكَ النّسيمُ الذي هَبّا | 
| ذكرْتُ بهِ وَصْلاً كأنْ لم أفُزْ بِهِ | وَعَيْشاً كأنّي كنتُ أقْطَعُهُ وَثْبَا | 
| وَفَتّانَةَ العَيْنَينِ قَتّالَةَ الهَوَى | إذا نَفَحَتْ شَيْخاً رَوَائِحُها شَبّا | 
| لهَا بَشَرُ الدُّرّ الذي قُلّدَتْ بِهِ | وَلم أرَ بَدْراً قَبْلَهَا قُلّدَ الشُّهْبَا | 
| فَيَا شَوْقُ ما أبْقَى ويَا لي من النّوَى | ويَا دَمْعُ ما أجْرَى ويَا قلبُ ما أصبَى | 
| لَقد لَعِبَ البَينُ المُشِتُّ بهَا وَبي | وَزَوّدَني في السّيرِ ما زَوّدَ الضّبّا | 
| وَمَن تكُنِ الأُسْدُ الضّواري جُدودَه | يكُنْ لَيلُهُ صُبْحاً وَمَطعمُهُ غصْبَا | 
| وَلَسْتُ أُبالي بَعدَ إدراكيَ العُلَى | أكانَ تُراثاً ما تَناوَلْتُ أمْ كَسْبَا؟ | 
| فَرُبّ غُلامٍ عَلّمَ المَجْدَ نَفْسَهُ | كتعليمِ سيفِ الدّوْلة الطّعنَ والضرْبَا | 
| إذا الدّوْلَةُ استكفَتْ بهِ في مُلِمّةٍ | كفاها فكانَ السّيفَ والكَفّ والقَلْبَا | 
| تُهابُ سُيُوفُ الهِنْدِ وَهْيَ حَدائِدٌ | فكَيْفَ إذا كانَتْ نِزارِيّةً عُرْبَا | 
| وَيُرْهَبُ نَابُ اللّيثِ وَاللّيْثُ وَحدَهُ | فكَيْفَ إذا كانَ اللّيُوثُ لهُ صَحبَا | 
| وَيُخشَى عُبابُ البَحْرِ وَهْوَ مكانَهُ | فكَيفَ بمَنْ يَغشَى البِلادَ إذا عَبّا | 
| عَلِيمٌ بأسرارِ الدّيَانَاتِ وَاللُّغَى | لهُ خَطَرَاتٌ تَفضَحُ النّاسَ والكُتْبَا | 
| فَبُورِكْتَ مِنْ غَيْثٍ كأنّ جُلودَنَا | به تُنْبِتُ الدّيباجَ وَالوَشْيَ وَالعَصْبَا | 
| وَمن وَاهِبٍ جَزْلاً وَمن زاجرٍ هَلا | وَمن هاتِكٍ دِرْعاً وَمن ناثرٍ قُصْبَا | 
| هَنيئاً لأهْلِ الثّغْرِ رَأيُكَ فيهِمِ | وَأنّكَ حزْبَ الله صرْتَ لهمْ حِزْبَا | 
| وَأنّكَ رُعْتَ الدّهْرَ فيهَا وَرَيبَهُ | فإنْ شَكّ فليُحدِثْ بساحتِها خَطْبَا | 
| فيَوْماً بخَيْلٍ تَطْرُدُ الرّومَ عنهُمُ | وَيَوْماً بجُودٍ تطرُدُ الفقرَ وَالجَدْبَا | 
| سَراياكَ تَتْرَى والدُّمُسْتُقُ هارِبٌ | وَأصْحابُهُ قَتْلَى وَأمْوالُهُ نُهْبَى | 
| أتَى مَرْعَشاً يَستَقرِبُ البُعدَ مُقبِلاً | وَأدبَرَ إذ أقبَلْتَ يَستَبعِدُ القُرْبَا | 
| كَذا يَترُكُ الأعداءَ مَن يَكرَهُ القَنَا | وَيَقْفُلُ مَنْ كانَتْ غَنيمَتُهُ رُعبَا | 
| وَهَلْ رَدّ عَنهُ باللُّقَانِ وُقُوفُهُ | صُدُورَ العَوالي وَالمُطَهَّمَةَ القُبَّا | 
| مَضَى بَعدَما التَفّ الرّماحانِ ساعَةً | كما يَتَلَقّى الهُدْبُ في الرّقدةِ الهُدبَا | 
| وَلَكِنّهُ وَلّى وَللطّعْنِ سَوْرَةٌ | إذا ذَكَرَتْها نَفْسُهُ لَمسَ الجَنْبا | 
| وَخَلّى العَذارَى والبَطاريقَ والقُرَى | وَشُعثَ النّصارَى والقَرابينَ وَالصُّلبَا | 
| أرَى كُلَّنَا يَبْغي الحَيَاةَ لنَفْسِهِ | حَريصاً عَلَيها مُسْتَهاماً بها صَبّا | 
| فحُبُّ الجَبَانِ النّفْسَ أوْرَدَهُ البَقَا | وَحُبُّ الشّجاعِ الحرْبَ أوْرَدهُ الحرْبَا | 
| وَيخْتَلِفُ الرّزْقانِ والفِعْلُ وَاحِدٌ | إلى أنْ تَرَى إحسانَ هذا لِذا ذَنْبَا | 
| فأضْحَتْ كأنّ السّورَ من فوْقِ بدئِهِ | إلى الأرْضِ قد شَقَّ الكواكبَ والتُّربَا | 
| تَصُدّ الرّياحُ الهُوجُ عَنْهَا مَخافَةً | وَتَفْزَعُ فيها الطّيرُ أن تَلقُطَ الحَبّا | 
| وَتَرْدي الجِيادُ الجُرْدُ فوْق جبالها | وَقد نَدَفَ الصِّنّبرُ في طُرْقها العُطْبَا | 
| كَفَى عَجَباً أنْ يَعجَبَ النّاسُ أنّهُ | بَنى مَرْعَشاً؛ تَبّاً لآرائِهِمْ تَبّا | 
| وَما الفَرْقُ ما بَينَ الأنامِ وَبَيْنَهُ | إذا حَذِرَ المحذورَ وَاستصْعبَ الصّعبَا | 
| لأمْرٍ أعَدّتْهُ الخِلافَةُ للعِدَى | وَسَمّتْهُ دونَ العالَمِ الصّارِمَ العَضْبَا | 
| وَلم تَفْتَرِقْ عَنْهُ الأسِنّةُ رَحْمَةً | وَلم تَترُكِ الشّأمَ الأعادي لهُ حُبّا | 
| وَلَكِنْ نَفاها عَنْهُ غَيرَ كَريمَةٍ | كَريمُ الثّنَا ما سُبّ قَطّ وَلا سَبّا | 
| وَجَيْشٌ يُثَنّي كُلّ طَوْدٍ كَأنّهُ | خرِيقُ رِياحٍ وَاجَهَتْ غُصُناً رَطْبَا | 
| كأنّ نُجُومَ اللّيْلِ خافَتْ مُغَارَهُ | فمَدّتْ عَلَيْها مِنْ عَجاجتِهِ حُجْبا | 
| فمن كانَ يُرْضِي اللّؤمَ والكفرَ مُلكُهُ | فهذا الذي يُرْضِي المكارِمَ وَالرّبّا |