برز الثعلبُ يوماً

برز الثعلبُ يوماً في شعار الواعِظينا
فمشى في الأرضِ يهذي ويسبُّ الماكرينا
ويقولُ : الحمدُ للـ ـهِ إلڑهِ العالمينا
يا عِباد الله، تُوبُوا فهموَ كهفُ التائبينا
وازهَدُوا في الطَّير، إنّ الـ ـعيشَ عيشُ الزاهدينا
واطلبوا الدِّيك يؤذنْ لصلاة ِ الصُّبحِ فينا
فأَتى الديكَ رسولٌ من إمام الناسكينا
عَرَضَ الأَمْرَ عليه وهْوَ يرجو أَن يَلينا
فأجاب الديك : عذراً يا أضلَّ المهتدينا !
بلِّغ الثعلبَ عني عن جدودي الصالحينا
عن ذوي التِّيجان ممن دَخل البَطْنَ اللعِينا
أَنهم قالوا وخيرُ الـ ـقولِ قولُ العارفينا:
” مخطيٌّ من ظنّ يوماً أَنّ للثعلبِ دِينا»

اسمَعْ نفائس ما يأْتيكَ مِنْ حِكَمي

اسمَعْ نفائس ما يأْتيكَ مِنْ حِكَمي وافهمهُ فهمَ لبيبٍ ناقدٍ واعي
كانت على زَعمهِمْ فيما مَضى غَنَمٌ بأَرضِ بغدادَ يَرعَى جَمْعَها راعي
قد نام عنها، فنامَتْ غيْرَ واحدة ٍ لم يدعها في الدَّياجي للكرى داعي
أمُّ الفطيمِ ، وسعدٍ ، والفتى علفٍ وابنِ کمِّهِ، وأَخيه مُنْية ِ الرَّاعي
فبينَما هي تحتَ الليْل ساهرة ٌ تحييهِ ما بين أوجالٍ وأوجاعِ
بدا لها الذِّئبُ يسعى في الظلامِ على بُعْدٍ، فصاحت: أَلا قوموا إلى الساعي!
فقامَ راعي الحمى المرعيِّ منذعراً يقولُ : أين كلابي أين مقلاعي ؟
وضاقَ بالذِّئْبِ وجهُ الأَرض من فَرَق فانسابَ فيه انسيابَ الظَّبي في القاع
فقالتِ الأُمُّ: يا للفخرِ! كان أبي حُرّاً، وكان وفِيّاً طائلَ الباعِ
إذا الرُّعاة على أَغنامها سَهِرَتْ سَهرْتُ من حُبِّ أَطفالي على الرّاعي!

فأْرٌ رأَى القِطَّ على الجِدارِ

فأْرٌ رأَى القِطَّ على الجِدارِ مُعَذَّباً في أَضيَقِ الحِصار
والكلبُ في حالتهِ المعهوده مستجمعاً للوثبة ِ الموعوده
فحاولَ الفأرُ اغتنامَ الفرصه وقال أكفي القطَّ هذي الغصَّه
لعلّه يكتبُ بالأمانِ لي ولأَصحابي من الجيران
فسارَ للكلبِ على يديهِ ومَكَّنَ الترابَ من عينَيه
فاشتغل الرّاعي عن الجدار ونزلَ القطُّ على بدار
مبتهجاً يفكر في وليمه وفي فريسة ٍ لها كريمه
يجعلها لِخَطْبِه علامه يذكرُها فيذكرُ السَّلامه
فجاءَ ذاكَ الفأرُ في الأثناءِ وقال: عاشَ القِطُّ في هَناءِ
رأَيتَ في الشِّدّة ِ من إخلاصِي ما كان منها سببَ الخلاص
وقد أتيتُ أطلبُ الأمانا فامنُنْ به لِمعشَري إحسانا
فقال: حقّاً هذه كرامَه غنيمة ٌ وقبلَها سَلامه
يكفيكَ فخراً يا كريمَُ الشِّمه أَنك فأرُ الخطْبِ والوليمه
وانقَضَّ في الحالِ على الضَّعيفِ يأكلُه بالمِلحِ والرغيف
فقلت في المقام قوْلاً شاعا «مَنْ حفِظَ الأَعداءَ يوماً ضاعا»

وقف الهدهد في باب سليمان بذله

وقفَ الهُدْهُدُ في با بِ سليمانَ بذلِّهْ
قال: يا مولايَ، كن لي عشتي صارت مملَّه
متُّ من حَبَّة ِ بُرٍّ أحدثتْ في الصدر علَّه
لا مياهُ النيلِ ترويـ ـها، ولا أَمواهُ دِجْله
وإذا دامت قليلا قتلتْني شرَّ قِتْلَه
فأشار السيد العا لي غلى من كان حوله:
قد جنى الهدهدُ ذنباً وأتى في اللؤوم فعله
تِلك نارُ الإثمِ في الصَّدْ رِ، وذي الشكوى تَعِلَّه
ما أرى الحبة إلا سُرِقت من بيتِ نمله
إن للظالم صَدْراً يشتكي من غير عله

سمعتُ بأَنَّ طاوُوساً

سمعتُ بأَنَّ طاوُوساً أَتى يوماً سليمانا
يُجَرِّرُ دون وفْدِ الطَّيْـ ـرِ أذيالاً وأردانا
ويُظْهِرُ ريشَهُ طوْراً ويُخفي الرِّيشَ أَحيانا
فقال: لدَيَّ مسأَلة ٌ أَظنُّ أَوانَها آنا
وها قد جئتُ أَعرضُها على أَعتابِ مولانا:
ألستُ الروضَ بالأزها رِ والأَنوارِ مُزْدانا؟
ألم أستوفِ آيَ الظرْ ف أشكالاً وألوانا؟
ألم أصبح ببابكمُ لجمعِ الطيرِ سلطانا؟
فكيف يَليقُ أَن أَبقَى وقوْمِي الغُرُّ أَوثانا؟!
فحسنُ الصوتِ قد أمسى نصيبي منه حرمانا
فما تيَّمتُ أفئدة ً ولا أَسكَرْتُ آذانا
وهذي الطيرُ أحقرها يزيدُ الصَّبَّ أَشجانا
وتهتزُّ الملوكُ له إذا ما هزَّ عيدانا؟
فقال له سليمانُ لقد كان الذي كانا
تعالت حكمة ُ الباري وجلَّ صنيعُهُ شانا
لقد صغرتَ يا مغرو رُ نعمى الله كفرانا
وملك الطير لم تحفل به، كبرا وطغيانا
فلو أَصبَحت ذا صوْت لمَا كلَّمْتَ إنسانا!

كان برَوْضٍ غُصُنٌ ناعمٌ

كان برَوْضٍ غُصُنٌ ناعمٌ يقولُ: جلَّ الواحدُ المنفردْ
فقامتي في ظرفها قامتي ومثلُ حسني في الورى ما عهدْ
فأَقبلت خُنفُسَة ٌ تنثَني ونجلها يمشي بجنبِ الكبدْ
تقول: يا زَيْنَ رياضِ البَها إنّ الذي تطلبهُ قد وجد
فانظر لقدِّ ابني، ولا تفتخر ما دام في العالم أمٌّ تلد‍‍!