إن تسألي عن مصر حواء القرى

إن تسألي عن مصرَ حواءِ القرى وقرارة ِ التاريخِ والآثارِ
فالصُّبحُ في منفٍ وثيبة واضحٌ مَنْ ذا يُلاقي الصُّبحَ بالإنكار
بالهَيْلِ مِن مَنْفٍ ومن أَرباضِها مَجْدُوعُ أَنفٍ في الرّمالِ كُفارِي
خَلَتِ الدُّهُورُ وما التَقَتْ أَجفانُه وأتتْ عليه كليلة ٍ ونهار
ما فَلَّ ساعِدَه الزمانُ، ولم يَنَلْ منه اختلافُ جَوارِفٍ وذَوار
كالدَّهرِ لو ملكَ القيامَ لفتكة ٍ أَو كان غيرَ مُقَلَّمِ الأَظفار
وثلاثة ٍ شبَّ الزمانُ حيالها شُمٍّ على مَرّ الزَّمانِ، كِبار
قامت على النيلِ العَهِيدِ عَهِيدة ً تكسوه ثوبَ الفخرِ وهيَ عوار
من كلِّ مركوزٍ كرَضْوَى في الثَّرَى متطاولٍ في الجوَّ كالإعصار
الجنُّ في جنباتها مطروة ٌ ببدائع البنَّاءِ والحفَّار
والأَرضُ أضْيَعُ حِيلة ً في نَزْعِها من حيلة ِ المصلوبِ في المسمار
تلكَ القبورُ أضنَّ من غيب بما أَخفَتْ منَ الأَعلاق والأَذخار
نام الملوك بها الدُّهورَ طويلة ً يجِدون أَروحَ ضَجْعَة ٍ وقرار
كلُّ كأهلِ الكهف فوقَ سريره والدهرُ دونَ سَريرِه بهِجَار
أملاكُ مصرَ القاهرون على الورى المنزَلون منازلَ الأَقمار
هَتَكَ الزمان حِجابَهم، وأَزالهم بعدَ الصِّيانِ إزالة َ الأسرار
هيهاتَ لم يلمسْ جلالهمو البلى إلا بأَيدٍ في الرَّغام قِصار
كانوا وطرفُ الدهر لا يسمو لهم ما بالهمْ عرضوا على النُّظَّار
لو أُمهلوا حتى النُّشُورِ بِدُورِهم قاموا لخالقهم بعير غبار

أرى شجرا في السماء احتجب

أرى شجراً في السماء احتجبْ وشقّ العَنانَ بمَرْأَى عَجبْ
مآذنُ قامت هنا أو هناكَ ظواهرها درجٌ من شذب
وليس يؤذِّنُ فيها الرجالُ ولكن تصبح عليها الغرب
وباسقة ٍ من بناتِ الرمالِ نَمتْ ورَبتْ في ظلالِ الكُثُب
كسارية ِ الفُلْكِ، أَو كالمِسـلَّة ِ  أَو كالفَنارِ وراءَ العَبَب
تطولُ وتقصرُ خلفَ الكثيبِ إذا الريحُ جاءَ به أَو ذهب
تُخالُ إذا اتَّقدَتْ في الضُّحَى وجرَّ الأصيلُ عليها اللهب
وطافَ عليها شعاع النهارِ من الصحوِ، أو منْ حواشي السحب
وصيفة َ فرعونَ في ساحة ٍ من القصر واقفة ً ترتقب
قد اعتصبتْ بفصوص العقيقِ مُفصَّلة ً بِشُذورِ الذهب
وناطتْ قلائدَ مَرْجانِها على الصدر، واتَّشَحَتْ بالقَصَب
وشَدَّتْ على ساقِها مِئْزَراً تعقَّدَ من رأسها للذنب
أهذا هو النخلُ ملكُ الرياضِ أَميرُ الحقولِ، عروسُ العزب
طعامُ الفقيرِ، وحَلوَى الغَنيِّ وزادُ المسافِر والمُغْتَرِب
فيا نخلة َ الرملِ، لم تبخلي ولا قصَّرتْ نخلاتُ الترب
وأعجبُ: كيف طوى ذكركنَّ ولم يحتفلْ شعراءُ العرب
أليس حراماً خلوُّ القصائدِ من وصفكنّ، وعطلُ الكتب
وأنتنّ في الهاجراتِ الظِّلالُ كأَنّ أَعالِيَكُنَّ العَبَب
وأنتنّ في البيد شاة ُ المعيلِ جناها بجانبِ أخرى حلبَ
وأنتنّ في عرصاتِ القصورِ حسانُ الدُّمى الزائناتُ الرّحب
جناكنّ كالكرمِ شتى المذاقِ وكالشَّهدِ في كل لون يُحَبّ

بأرض الجيزة اجتاز الغمام

بأَرضِ الجيزة ِ اجتازَ الغَمامُ وحلَّ سماءَها البدرُ التمام
وزار رياضَ إسماعيلَ غيثٌ كوالدِه له المِنَنُ الجِسام
ثَنَى عِطْفَيْهِمَا الهرمانِ تِيهاً وقال الثالثُ الأَدنى : سلام
حلُمِّي مَنْفُ؛ هذا تاجُ خوفو كقرصِ الشمسِ يعرفه الأنام
نَمتْهُ من بني فِرعَوْنَ هامٌ ومن خلفاء إسماعيلَ هام
تألقَ في سمائكِ عبقرياً عليه جلالة ٌ، وله وسام
ترعرعَتِ الحضارة ُ في حلاهُ وشبَّ على جواهرِه النظام
ونال الفنُّ في أولى الليالي وأخراهنَّ عزَّا لا يرام
مشَى في جيزة الفُسطاط ظِلٌّ كظلِّ النيلِ بلَّ به الأوام
إذا ما مَسّ تُرْباً عاد مِسْكاً ونافسَ تحته الذهبَ الرَّغام
وإنْ هو حَلَّ أرضاً قام فيها جِدارٌ للحضارة ِ أَو دِعام
فمدرسة ٌ لحرب الجهل تبنى ومستشفى يذادُ به السقام
ودارٌ يُستَغاثُ بها فَيَمضي إلى الإسعافِ أنجادٌ كرامُ
أُساة ُ جِراحة ٍ حِيناً وحِيناً مَيازيبٌ إذا انفجر الضِّرام
وأحواضٌ يراضُ النيلُ فيها وكلُّ نجيبة ٍ ولها لجام
أبا الفاروقِ، أقبلنا صفوفاً وأَنتَ من الصفوفِ هو الإمام
طلعتَ على الصعيدِ فهشَّ حتى علا شَفَتَيْ أَبي الهول ابتسام
ركابٌ سارتِ الآمالُ فيه وطافَ به التلفُّتُ والزحام
فماذا في طريقك من كفور أجلُّ من البيوتِ بها الرجام
كأن الراقدين بكل قاعٍ همُ الأيقاظُ، واليقظى النِّيام
لقد أَزَمَ الزمانُ الناسَ، فانظُرْ فعندكَ تفرجُ الإزمُ العظام
وبعدَ غدٍ يفارقُ عامُ بؤسٍ ويَخلُفه من النَّعماءِ عام
يَدورُ بمصرَ حالاً بعدَ حالٍ زمانٌ ما لحاليهِ دوام
ومصرُ بناءُ جدَّكَ لم يتممْ أليس على يديكَ له تمام؟
فلسنا أمة ً قعدتْ بشمسٍ ولا بلداً بضاعتُه الكلام
ولكنْ هِمَّة ٌ في كلِّ حينٍ يَشُدُّ بِناءَها المَلِكُ الهُمام
نرومُ الغاية َ القصوى ، فنمضي وأنت على الطريقِ هو الزمام
ونقصر خطوة ً، ونمدُّ أخرى وتلجئنا المسافة والمرام
ونَصبرُ للشدائدِ في مقامٍ ويغلبنا على صبر مقام
فقوِّ حضارة َ الماضي بأخرى لها زَهْوٌ بِعصرِكَ واتّسامُ
ترفُّ صحائفُ البرديِّ فيها وينطقُ في هياكلها الرُّخام
رَعَتك ووادياً ترعاه عنَّا من الرحمنِ عينٌ لا تنام
فإن يك تاجُ مصرَ لها قواماً فمصرُ لتاجها العالي قوام
لِتهنأ مصرُ، ولْيَهْنأ بَنوها فبينَ الرأْسِ والجِسمِ التئام

شرفاً نصيرُ ، ارفعْ جبينكَ عالياً

شرفاً نصيرُ ، ارفعْ جبينكَ عالياً وتَلقَّ من أوطانك الإكليلا
يَهنِيكَ ما أُعطِيتَ من إكرامِها ومُنِحْتَ مِن عطف ابنِ إسماعيلا
اليومَ يَومُ السَّابِقين، فكنْ فتًى لم يبغِ من قصبِ الرِّهانِ بديلا
وإذا جَرَيْتَ مع السوابق فاقتحِمْ غرراً تسيل إلى المدى وحجولا
حتى يراكَ الجمعُ أوَّلَ طالعٍ ويَرَوْا على أَعرافِك المِنْديلا
هذا زمانٌ لا توسُّط عنده يَبْغِي المُغامِرُ عالياً وجليلا
كنْ سابقاً فيه، أَو کبْقَ بِمَعْزِلٍ ليس التوسُّطُ للنُبوغِ سبيلا
ياقاهرَ الغربِ العتيدِ ، ملأته بثناءِ مِصْرَ على الشفاهِ جَميلا
قلَّبتَ فيه يداً تكاد لشدَّة ٍ في البأْسِ ترفع في الفَضاءِ الفِيلا!
إن الذي خلق الحديدَ وبأسه جعل الحديد لساعديكَ ذليلا
زَحْزَحْتَه، فتخاذلتْ أَجلادُه وطَرحْتَه أَرضاً، فصَلَّ صَليلا
لِمَ لا يَلِينُ لك الحديدُ ولم تزَلْ تتلو عليه وتقرأُ التَّنزِيلا؟
الأَزْمَة اشْتَدَّتْ ورانَ بلاؤُها فاصدمْ بركنك ركنها ليميلا
شمشونُ أَنت، وقد رَستْ أَركانُها فتَمشَّ في أَركانِها لِتَزولا
قلْ لي نصيرُ وأنت برٌّ صادقٌ أحملتَ إنساناً عليك ثقيلا ؟
أحملتَ ديناً في حياتك مرَّة ً ؟ أحملتَ يوماً في الضُّلوعِ غليلا ؟
أحملتَ ظلماً من قريبٍ غادرٍ أو كاشحٍ بالأَمسِ كان خَليلا؟
أحملتَ منًّا من قريبٍ مكرَّراً والليلِ، مِنْ مُسْدٍ إليك جَميلا؟
أحملتَ طغيانَ اللثيمِ إذا اغتنى أَو نال مِنْ جاهِ الأُمورِ قليلا؟
أحملتَ في النادي الغبيَّ إذا التقى من سامعيه الحمدَ والتّبجيلا ؟
تلك الحياة ُ، وهذه أَثقالُها وزن الحديدُ بها فعاد ضئيلا !

ياابنَ زيدونَ ، مرحبا

ياابنَ زيدونَ ، مرحبا قد أطلتَ التغيُّبا
إن ديوانَكَ الذي ظلَّ سرًّ محجبَّا ،
يشتكي اليتيم درُّه ويقاسي التَّغرُّبا. . .
. . . صار في كل بلدة ٍ للأَلِبَّاءِ مَطْلبا
جاءنا كاملٌ به عربيًّا مهذَّبا
تجدُ النَّصَّ معجبا وترى الشَّرح أعجبا
أنتَ في القول كلِّه أَجْملُ الناسِ مَذهبا
بأبي أنتَ هيكلاً مِن فنونٍ مُركَّبا
شاعِراً أَم مُصَوِّراً كنتَ ، أم كنتَ مطربا ؟
ترسل اللحنَ كلَّه مبدعاً فيه ، مربا
أحسنَ الناس هاتفاً بالغواني مشبِّبا
ونزيلَ المتوَّج ـينَ، النديمَ المُقرَّبا
كم سقاهم بشعره مِدْحَة ً أَو تَعَتُّبا
ومن المدحِ ما جزى وأَذاعَ المناقِبا
وإذا الهجرُ هاجهُ لمُعَاناته أبى
ورآه رذيلهً لا تماشي التأدُّبا
ما رأَى الناسُ شاعِراً فاضل الخُلْقِ طيِّبا
دَسَّ للناشقين في زَنبَقِ الشعرِ عَقربا
جُلتَ في الخُلد جوْلة ً هل عن الخلد مِنْ نَبا؟
صف لنا ما وراءه من عيونٍ، ومن رُبَى
ونعيمٍ ونَضرة ٍ وظلالٍ من الصِّبا
وصِفِ الحور موجزاً
قم ترى الأرضَ مثلما كنتمو أمسِ ملعبا
وترى العيشَ لم يزلْ لبني الموتِ مأربا
وترى ذَاكَ بالذي عند هذا مُعَذَّبا
إنَّ مروانَ عصبة ٌ يَصنعونَ العجائبَا
طوَّفوا الأَرض مَشرِقاً بالأيادي ومغربا
هالة ٌ أَطلعتْكَ في ذِروة المجدِ كوكبا
أَنت للفتحِ تنتمي وكفى الفتحُ منصبا
لستُ أَرْضَى بغيره لك جدًّا ولا أبا

وعصابة ٍ بالخيرِ ألِّف شملهم

وعصابة ٍ بالخيرِ ألِّف شملهم والخيرُ أفضلُ عصبة ً ورفاقا
جعلوا التَّعاونَ والبناية َ هَمَّهم واستنهضوا الآدابَ والأَخلاقا
ولقد يُداوُون الجِراح بِبرِّهم ويقاتلون البؤسَ والإملاقا
يسمونَ بالأدب الجديدِ ، وتارة ً يَبْنُون للأَدبِ القديمِ رِواقا
عَرَضَ القُعودُ فكان دون نُبوغِهِ قَيداً، ودونَ خُطَى الشباب وِثاقا
البلبلُ الغردُ الذي هزَّ الرُّبى وشجى الغصونَ ، وحرَّكَ الأوراقا
خَلَفَ البَهاءَ على القريض وكأْسِهِ فسَقَى بعَذبِ نسيبِه العُشَّاقا
في القيد مُمتنِعُ الخُطى ، وخياله يَطوِي البلادَ ويَنشُر الآفاقا
سبَّاقُ غاياتِ البيانِ جَرى بلا ساقٍ ، فكيف إذا استرادَّ الساقا ؟ !
لو يطعمُ الطِّبُّ الصناعُ بيانه أو لو يسسغُ لما يقولُ مذاقا . . .
. . . غالي بقيمته ، فلم يصنعُ له إلا الجَناحَ مُحلِّقاً خفَّاقا!