حقائب الدموع والبكاء

إذا أتى الشتاء..
وحركت رياحه ستائري
أحس يا صديقتي
بحاجة إلى البكاء
على ذراعيك..
على دفاتري..
إذا أتى الشتاء
وانقطعت عندلة العنادل
وأصبحت ..
كل العصافير بلا منازل
يبتدئ النزيف في قلبي .. وفي أناملي.
كأنما الأمطار في السماء
تهطل يا صديقتي في داخلي..
عندئذ .. يغمرني
شوق طفولي إلى البكاء ..
على حرير شعرك الطويل كالسنابل..
كمركب أرهقه العياء
كطائر مهاجر..
يبحث عن نافذة تضاء
يبحث عن سقف له ..
في عتمة الجدائل ..
*
إذا أتى الشتاء..
واغتال ما في الحقل من طيوب..
وخبأ النجوم في ردائه الكئيب
يأتي إلى الحزن من مغارة المساء
يأتي كطفل شاحب غريب
مبلل الخدين والرداء..
وأفتح الباب لهذا الزائر الحبيب
أمنحه السرير .. والغطاء
أمنحه .. جميع ما يشاء
*
من أين جاء الحزن يا صديقتي ؟
وكيف جاء؟
يحمل لي في يده..
زنابقا رائعة الشحوب
يحمل لي ..
حقائب الدموع والبكاء..

حين أحبك

يتغير – حين أحبك – شكل الكرة الأرضيه..
تتلاقى طرق العالم فوق يديك.. وفوق يديه
يتغير ترتيب الأفلاك
تتكاثر في البحر الأسماك
ويسافر قمرٌ في دورتي الدمويه
يتغير شكلي:
أصبح شجراً.. أصبح مطراً..
أصبح أسود، داخل عينٍ إسبانيه..
***
تتكون – حين أحبك- أوديةٌ وجبال
تزداد ولادات الأطفال
تتشكل جزرٌ في عينيك خرافيه..
ويشاهد أهل الأرض كواكب لم تخطر في بال
ويزيد الرزق، يزيد العشق، تزيد الكتب الشعريه..
ويكون الله سعيداً في حجرته القمريه..
تتحضر – حين أحبك- آلاف الكلمات
تتشكل لغةٌ أخرى..
مدنٌ أخرى..
أممٌ أخرى..
تسرع أنفاس الساعات
ترتاح حروف العطف.. وتحبل تاءات التأنيث..
وينبت قمحٌ ما بين الصفحات
وتجيء طيورٌ من عينيك.. وتحمل أخباراً عسليه
وتجيء قوافل من نهديك.. وتحمل أعشاباً هنديه
يتساقط ثمر المانغو.. تشتعل الغابات
وتدق طبولٌ نوبيه..
***
يمتلئ البحر الأبيض – حين أحبك- أزهاراً حمراء
وتلوح بلادٌ فوق الماء
وتغيب بلادٌ تحت الماء
يتغير جلدي..
تخرج منه ثلاث حماماتٍ بيضاء
وثلاث ورودٍ جوريه
تكتشف الشمس أنوثتها..
تضع الأقراط الذهبيه
ويهاجر كل النحل إلى سرتك المنسيه
وبشارع ما بين النهدين..
تتجمع كل المدنيه..
يستوطن حزنٌ عباسيٌ في عينيك..
وتبكي مدنٌ شيعيه
وتلوح مآذن من ذهبٍ
وتضيء كشوفٌ صوفيه
وأنا الأشواق تحولني
نقشاً.. وزخارف كوفيه
أتمشى تحت جسور الشعر الأسود،
أقرأ أشعاري الليليه
أتخيل جزراً دافئةً
ومراكب صيدٍ وهميه
تحمل لي تبغاً ومحاراً.. من جزر الهند الشرقيه..
***
يتخلص نهدك – حين أحبك – من عقدته النفسيه
يتحول برقاً. رعداً. سيفاً. عاصفةً رمليه..
تتظاهر – حين أحبك – كل المدن العربيه
تتظاهر ضد عصور القهر،
وضد عصور الثأر،
وضد الأنظمة القبليه..
وأنا أتظاهر – حين أحبك – ضد القبح،
وضد ملوك الملح،
وضد مؤسسة الصحراء..
ولسوف أظل أحبك حتى يأتي زمن الماء…
ولسوف أظل أحبك حتى يأتي زمن الماء…

حب إستثنائي لامرأة إستثنائية

1
أكثر ما يعذبني في حبك..
أنني لا أستطيع أن أحبك أكثر..
وأكثر ما يضايقني في حواسي الخمس..
أنها بقيت خمساً.. لا أكثر..
إن امرأةً إستثنائيةً مثلك
تحتاج إلى أحاسيس إستثنائيه..
وأشواقٍ إستثنائيه..
ودموعٍ إستثنايه..
وديانةٍ رابعه..
لها تعاليمها ، وطقوسها، وجنتها، ونارها.
إن امرأةً إستثنائيةً مثلك..
تحتاج إلى كتبٍ تكتب لها وحدها..
وحزنٍ خاصٍ بها وحدها..
وموتٍ خاصٍ بها وحدها
وزمنٍ بملايين الغرف..
تسكن فيه وحدها..
لكنني واأسفاه..
لا أستطيع أن أعجن الثواني
على شكل خواتم أضعها في أصابعك
فالسنة محكومةٌ بشهورها
والشهور محكومةٌ بأسابيعها
والأسابيع محكومةٌ بأيامها
وأيامي محكومةٌ بتعاقب الليل والنهار
في عينيك البنفسجيتين…
2
أكثر ما يعذبني في اللغة.. أنها لا تكفيك.
وأكثر ما يضايقني في الكتابة أنها لا تكتبك..
أنت امرأةٌ صعبه..
كلماتي تلهث كالخيول على مرتفعاتك..
ومفرداتي لا تكفي لاجتياز مسافاتك الضوئيه..
معك لا توجد مشكلة..
إن مشكلتي هي مع الأبجديه..
مع ثمانٍ وعشرين حرفاً، لا تكفيني لتغطية بوصة
واحدةٍ من مساحات أنوثتك..
ولا تكفيني لإقامة صلاة شكرٍ واحدةٍ لوجهك
الجميل…
إن ما يحزنني في علاقتي معك..
أنك امرأةٌ متعدده..
واللغة واحده..
فماذا تقترحين أن أفعل؟
كي أتصالح مع لغتي..
وأزيل هذه الغربه..
بين الخزف، وبين الأصابع
بين سطوحك المصقوله..
وعرباتي المدفونة في الثلج..
بين محيط خصرك..
وطموح مراكبي..
لاكتشاف كروية الأرض..
3
ربما كنت راضيةً عني..
لأنني جعلتك كالأميرات في كتب الأطفال
ورسمتك كالملائكة على سقوف الكنائس..
ولكني لست راضياً عن نفسي..
فقد كان بإمكاني أن أرسمك بطريقة أفضل.
وأوزع الورد والذهب حول إليتيك.. بشكلٍ أفضل.
ولكن الوقت فاجأني.
وأنا معلقٌ بين النحاس.. وبين الحليب..
بين النعاس.. وبين البحر..
بين أظافر الشهوة.. ولحم المرايا..
بين الخطوط المنحنية.. والخطوط المستقيمه..
ربما كنت قانعةً، مثل كل النساء،
بأية قصيدة حبٍ . تقال لك..
أما أنا فغير قانعٍ بقناعاتك..
فهناك مئاتٌ من الكلمات تطلب مقابلتي..
ولا أقابلها..
وهناك مئاتٌ من القصائد..
تجلس ساعات في غرفة الإنتظار..
فأعتذر لها..
إنني لا أبحث عن قصيدةٍ ما..
لإمرأةٍ ما..
ولكنني أبحث عن “قصيدتك” أنت….
4
إنني عاتبٌ على جسدي..
لأنه لم يستطع ارتداءك بشكل أفضل..
وعاتبٌ على مسامات جلدي..
لأنها لم تستطع أن تمتصك بشكل أفضل..
وعاتبٌ على فمي..
لأنه لم يلتقط حبات اللؤلؤ المتناثرة على امتداد
شواطئك بشكلٍ أفضل..
وعاتبٌ على خيالي..
لأنه لم يتخيل كيف يمكن أن تنفجر البروق،
وأقواس قزح..
من نهدين لم يحتفلا بعيد ميلادهما الثامن عشر..
بصورة رسميه…
ولكن.. ماذا ينفع العتب الآن..
بعد أن أصبحت علاقتنا كبرتقالةٍ شاحبة،
سقطت في البحر..
لقد كان جسدك مليئاً باحتمالات المطر..
وكان ميزان الزلازل
تحت سرتك المستديرة كفم طفل..
يتنبأ باهتزاز الأرض..
ويعطي علامات يوم القيامه..
ولكنني لم أكن ذكياً بما فيه الكفايه..
لألتقط إشاراتك..
ولم أكن مثقفاً بما فيه الكفايه…
لأقرأ أفكار الموج والزبد
وأسمع إيقاع دورتك الدمويه….
5
أكثر ما يعذبني في تاريخي معك..
أنني عاملتك على طريقة بيدبا الفيلسوف..
ولم أعاملك على طريقة رامبو.. وزوربا..
وفان كوخ.. وديك الجن.. وسائر المجانين
عاملتك كأستاذ جامعي..
يخاف أن يحب طالبته الجميله..
حتى لا يخسر شرفه الأكاديمي..
لهذا أشعر برغبةٍ طاغية في الإعتذار إليك..
عن جميع أشعار التصوف التي أسمعتك إياها..
يوم كنت تأتين إلي..
مليئةً كالسنبله..
وطازجةً كالسمكة الخارجة من البحر..
6
أعتذر إليك..
بالنيابة عن ابن الفارض، وجلال الدين الرومي،
ومحي الدين بن عربي..
عن كل التنظيرات.. والتهويمات.. والرموز..
والأقنعة التي كنت أضعها على وجهي، في
غرفة الحب..
يوم كان المطلوب مني..
أن أكون قاطعاً كالشفرة
وهجومياً كفهدٍ إفريقي..
أشعر برغبة في الإعتذار إليك..
عن غبائي الذي لا مثيل له..
وجبني الذي لا مثيل له..
وعن كل الحكم المأثورة..
التي كنت أحفظها عن ظهر قلب..
وتلوتها على نهديك الصغيرين..
فبكيا كطفلين معاقبين.. وناما دون عشاء..
7
أعترف لك يا سيدتي..
أنك كنت امرأةً إستثنائيه
وأن غبائي كان استثنائياً…
فاسمحي لي أن أتلو أمامك فعل الندامه
عن كل مواقف الحكمة التي صدرت عني..
فقد تأكد لي..
بعدما خسرت السباق..
وخسرت نقودي..
وخيولي..
أن الحكمة هي أسوأ طبقٍ نقدمه..
لامرأةٍ نحبها….

خبز وحشيش وقمر

عندما يولد في الشرق القمر..
فالسطوح البيض تغفو
تحت أكداس الزهر..
يترك الناس الحوانيت و يمضون زمر
لملاقاة القمر..
يحملون الخبز.. و الحاكي..إلى رأس الجبال
و معدات الخدر..
و يبيعون..و يشرون..خيال
و صور..
و يموتون إذا عاش القمر..
***
ما الذي يفعله قرص ضياء؟
ببلادي..
ببلاد الأنبياء..
و بلاد البسطاء..
ماضغي التبغ و تجار الخدر..
ما الذي يفعله فينا القمر؟
فنضيع الكبرياء..
و نعيش لنستجدي السماء..
ما الذي عند السماء؟
لكسالى..ضعفاء..
يستحيلون إلى موتى إذا عاش القمر..
و يهزون قبور الأولياء..
علها ترزقهم رزاً.. و أطفالاً..قبور الأولياء
و يمدون السجاجيد الأنيقات الطرر..
يتسلون بأفيونٍ نسميه قدر..
و قضاء..
في بلادي.. في بلاد البسطاء..
***
أي ضعفً و انحلال..
يتولانا إذا الضوء تدفق
فالسجاجيد.. و آلاف السلال..
و قداح الشاي .. و الأطفال..تحتل التلال
في بلادي
حيث يبكي الساذجون
و يعيشون على الضوء الذي لا يبصرون..
في بلادي
حيث يحيا الناس من دون عيون..
حيث يبكي الساذجون..
و يصلون..
و يزنون..
و يحيون اتكال..
منذ أن كانوا يعيشون اتكال..
و ينادون الهلال:
” يا هلال..
أيها النبع الذي يمطر ماس..
و حشيشياً..و نعاس..
أيها الرب الرخامي المعلق
أيها الشيء الذي ليس يصدق”..
دمت للشرق..لنا
عنقود ماس
للملايين التي عطلت فيها الحواس
***
في ليالي الشرق لما..
يبلغ البدر تمامه..
يتعرى الشرق من كل كرامه
و نضال..
فالملايين التي تركض من غير نعال..
و التي تؤمن في أربع زوجاتٍ..
و في يوم القيامه..
الملايين التي لا تلتقي بالخبز..
إلا في الخيال..
و التي تسكن في الليل بيوتاً من سعال..
أبداً.. ما عرفت شكل الدواء..
تتردى جثثاً تحت الضياء..
في بلادي.. حيث يبكي الأغبياء..
و يموتون بكاء..
كلما حركهم عودٌ ذليلٌ..و “ليالي”
ذلك الموت الذي ندعوه في الشرق..
“ليالي”..و غناء
في بلادي..
في بلاد البسطاء..
حيث نجتر التواشيح الطويلة..
ذلك السثل الذي يفتك بالشرق..
التواشيح الطويلة..
شرقنا المجتر..تاريخاً
و أحلاماً كسولة..
و خرافاتٍ خوالي..
شرقنا, الباحث عن كل بطولة..
في أبي زيد الهلالي..

خمسة نصوص عن الحب

1
حدثٌ تاريخيٌ من أحداث الكون،
وعرسٌ للأزهار وللأعشاب.
وحيٌ ينزل.. أو لا ينزل..
طفلٌ يولد.. أو لا يولد..
برقٌ يلمع.. أو لا يلمع..
قمرٌ يطلع أو لا يطلع..
من بين الأهداب.
2
نصٌ مسماريٌ،
فينيقيٌ،
سريانيٌ،
فرعونيٌ،
هندوكيٌ،
نصٌ لم يكتب في أي كتاب.
3
حبك..
وقتٌ بين السلم، وبين الحرب
أسوأ من حرب الأعصاب.
حبك.. سردابٌ سحريٌ
فيه ملايين الأبواب.
فإذا ما أفتح باباً..
يغلق باب..
يهطل من شفتي الشهد،
وإذا غازلتك يوماً، يا سيدتي
يقتلني الأعراب…
5
حبك.. يطرح ألف سؤالٍ
ليس لها في الشعر.. جواب.

دموع شهريار

ما قيمة الحوار؟
ما قيمة الحوار؟
ما دمت، يا صديقتي، قانعةً
بأنني وريث شهريار..
أذبح، كالدجاج، كل ليلةٍ
ألفاً من الجواري..
أدحرج النهود كالثمار..
أذيب في الأحماض.. كل امرأةٍ
تنام في جواري..
لا أحد يفهمني..
لا أحدٌ يفهم ما مأساة شهريار
حين يصير الجنس في حياتنا
نوعاً من الفرار..
مخدراً نشمه في الليل والنهار..
ضريبةً ندفعها
بغير ما اختيار..
حين يصير نهدك المعجون بالبهار
مقصلتي..
وصخرة انتحاري..
صديقتي،
مللت من تجارة الجواري..
مللت من مراكبي
مللت من بحاري..
لو تعرفين مرةً..
بشاعة الإحساس بالدوار..
حين يعود المرء من حريمه
منكمشاً كدودة المحار..
وتافهاً كذرة الغبار..
حين الشفاه كلها..
تصير من وفرتها
كالشوك في البراري..
حين النهود كلها..
تدق في رتابةٍ
كساعة الجدار…
*
لن تفهميني أبداً..
لن تفهمي أحزان شهريار..
فحين ألف امرأةٍ..
ينمن في جواري..
أحس أن لا أحدٌ..
ينام في جواري..